العنف اللفظي في المدارس التونسية: أسبابه وآثاره وحلوله

العنف اللفظي في المدارس التونسية
 أسبابه وآثاره وحلوله

العنف في الوسط المدرسي


مقدمة

المدارس هي مساحات تعليمية تساهم في تشكيل شخصية المتعلمين وتطوير قدراتهم العقلية والاجتماعية. ومع ذلك، يشكل العنف اللفظي مشكلة خطيرة تؤثر على بيئة المدرسة، حيث يتمثل هذا النوع من العنف في استخدام الألفاظ النابية والتهديدات اللفظية بين المتعلمين أو حتى من قبل المعلمين. لذلك، من الضروري فهم أسباب وعواقب هذه المشكلة وتقييمها بشكل دقيق لوضع استراتيجيات فعالة للحد منها وخلق بيئة تعليمية أكثر سلامة وإنتاجية.

من خلال دراسة العوامل التي تؤدي إلى العنف اللفظي في المدارس، يمكننا زيادة وعينا بالمشكلة والبحث عن حلول ملائمة. فالمتعلمون يتأثرون بعدة عوامل تؤثر على سلوكهم، سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو تعليمية. ومن خلال تحليل هذه العوامل وفهمها، يمكننا تصميم استراتيجيات تربوية وتعليمية مستدامة.

العنف اللفظي له آثار سلبية على الفرد والمجتمع، حيث يمكن أن يؤدي إلى تراجع العلاقات الاجتماعية، وانخفاض الأداء الأكاديمي، وتشكيل نمط سلوكي ضار. لهذا السبب، من المهم فهم هذه الآثار والعمل على وضع خطط وبرامج لمكافحتها وتقديم الدعم اللازم للمتعلمين المتضررين.

لمعالجة مشكلة العنف اللفظي في المدارس، يجب اتباع نهج شامل يشمل التوعية والتعليم وغرس القيم الدينية والأخلاقية، بالإضافة إلى تطبيق استراتيجيات تربوية ناجحة. يهدف هذا البحث إلى استكشاف الأسباب الرئيسية والآثار الجانبية للعنف اللفظي، واقتراح حلول عملية لإنشاء بيئة تعليمية آمنة ومشجعة على النمو الشخصي والأكاديمي.

العنف اللفظي في المؤسسات التربوية التونسية

في هذا السياق، أجرى المرصد الوطني للعنف المدرسي دراسة ميدانية على 2500 تلميذ و1400 إطار تربوي وتوصل إلى أنه بين 1 و 5% من المربين وبين 9 و 13% من التلاميذ يغيبون عن المدرسة خوفًا من العنف الذي قد يحصل داخلها أو حصل وترك آثاره.

وهذا الاستنتاج يربط بين ظاهرة العنف وظاهرة التغيب والتسرب المدرسيين التي تعتبر العنف الممارس داخل أو خارج المدارس على الأطراف المشاركة في العملية التربوية من مربين وتلاميذ أحد أسبابها.

كما توصل المرصد إلى أن 77% من حالات العنف داخل المدرسة تحدث في المناطق الحضرية بينما في المناطق الريفية تكون هذه النسبة 23%. ونستنتج من ذلك أن العنف المدرسي هو ظاهرة حضرية بالأساس مرتبطة بطبيعة الحياة الحضرية نفسها وبكل ما تحيط به المناطق الحضرية من تنوع من حيث الانتماءات الثقافية والاجتماعية التي تجعل مسألة الآخر تبرز بقوة بحيث يكون الشباب والمراهقون التلاميذ في علاقات تبادلية وتفاعلية مع آخرين من أوساط اجتماعية مختلفة مما يطرح مسائل التكيف والتعايش مع هذه الاختلافات وكيفية قبولها. عن موقع التنويري بعنوان "سوسيولوجيا الحياة المدرسية: المدرسة التونسية نموذجًا".

وفقًا لإحصاءات وزارة التربية التونسية، بلغ عدد حالات العنف اللفظي الصادرة عن التلاميذ 5552 حالة في عام 2017. كما تشير الأرقام إلى أن عدد الاعتداءات الصادرة عن التلاميذ ضد الإطار التربوي بلغ 4568 حالة في عام 2019 منها 2266 اعتداء لفظي.

عوامل العنف المدرسي

العنف المدرسي هو ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد، حيث تتشابك مجموعة من العوامل المختلفة لتكوين هذه الظاهرة في تونس. وتشمل بعض العوامل الرئيسية ما يلي:

  • العوامل الاجتماعية

     وهي الفقر، والبطالة، والنزوح، والإقصاء، والتمييز، والتأثيرات الناجمة عن التطرف والإرهاب، وتأثير وسائل الإعلام والتكنولوجيا.

  • العوامل النفسية

     وتشمل الضغط، والتوتر، والقلق، والاكتئاب، والعزلة، والانفعال، والعنف، والانتقام، والتقليد، والتحدي، والتمرد، والتميز، والمنافسة، والغيرة، والحسد.

  • العوامل الأسرية

     وتشمل العنف الأسري، والانفصال، والطلاق، والإهمال، والتربية السيئة، والتفكك، والتجاهل، والتناقض، والتشدد، والتساهل، والتخويف، والتحريض، والتشجيع، والاستخفاف، والازدراء.

  • العوامل المدرسية

     وتشمل العنف اللفظي والجسدي والمادي والجنسي والرمزي، وظواهر مثل التنمر والتحرش والتهديد والإهانة والسخرية والتمييز والتجاهل والتنكيل والتشويه، والتدمير والتخريب والتلاعب.

وفي هذا السياق، يعتقد ابراهيم الريحاني الخبير التونسي في الطفولة والأسرة ومستشار قاضي الأطفال أنه عندما ينظر إلى المؤسسات التربوية، يرى انتشارا ملحوظا للعنف والجريمة في هذا المجال العام. ولكن هذا الارتفاع، في رأيه، يدخل في إطار الأحداث والحقائق التي مرت بها بلادنا خلال العقد الأخير وما صاحبها من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وخاصة الصحية في مواجهة كوفيد وما ألزمه من حجر صحي وتغيير لأسلوب ونظام الحياة العادية.

يقول لـ«القدس العربي»: «إن هذا الوضع يدفعنا إلى البحث في تأثيراته على نفسية الطفل التي انعكست في ارتفاع مستويات العنف بشكل مروع فلم نعد نتحدث عن العنف كسلوك فردي بل كظاهرة اجتماعية وثقافية. أصبحنا نتحدث عن ثقافة العنف التي تنتشر في كل مكان، وفي كل اتجاه ننظر إليه، عند الكبار والصغار، في الحضر والريف، وعند الجماهير وعند النخبة على حد سواء».

الأسباب الفردية

كما يرجع انتشار العنف في البيئة المدرسية أيضا إلى أسباب فردية تتعلق بانحراف النمو العاطفي للطفل داخل الأسرة. فالأخيرة، بسبب التحديات التي تواجهها اليوم، تشتتت ولم تعد تؤدي دورها الأساسي وتخلت تماما عن دورها الحقيقي. لذلك يجب إعادة المدرسة وإصلاح المنظومة التربوية وفق مقاربة شاملة لأن هذا هو جوهر الإصلاح الحقيقي، ويجب في هذا الإطار أن تتحد وتتواجد مختلف هياكل الدولة المعنية بالتنشئة الاجتماعية والصحة والثقافة والدينية من أجل هذا التغيير حتى تصبح المدرسة صديقة للطفل تتنوع فيها الأنشطة من رياضة وثقافة وتعليم وغيرها.

الأسباب الدينية

فقدان الوازع الديني وانحدار القيم والأخلاق 

يقول الدكتور أشرف الفيل من علماء الأزهر الشريف في هذا السياق" إن فقدان الوازع الديني، وانحدار القيم والأخلاق لدى الشباب، أدى إلى ظاهرة الجرائم الأسرية، فنجد الشاب يقوم بجريمة ضد والده أو والدته أو زوجته أو إخوته، وهذا يتعارض مع المودة والرحمة التي يجب أن تسود بين أفراد الأسرة".

آثار العنف اللفظي:

تظهر آثار العنف اللفظي على الطلاب / التلاميذ والبيئة المدرسية بطرق متعددة. يمكن أن يؤدي هذا النوع من العنف إلى تدهور العلاقات الاجتماعية، وتأثيرات نفسية سلبية مثل القلق والاكتئاب، وتراجع في الأداء الأكاديمي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي العنف اللفظي إلى تشكيل بيئة تعليمية غير آمنة وغير ملائمة للتعلم.

حلول العنف اللفظي:

لمواجهة ظاهرة العنف اللفظي في المدارس، يتطلب الأمر اعتماد حلول شاملة ومتوازنة. يمكن أن تشمل هذه الحلول التوعية المستمرة حول أخطار العنف اللفظي وتأثيراته، إضافة إلى تعزيز برامج التوجيه والتحفيز الإيجابي للطلاب / التلاميذ وإشباعهم بالقيم الأخلاقية والدينية والتسامح وحب الآخر والقبول بالخلاف. كما يتعين تعزيز دور المعلمين وتوفير بيئة تربوية تشجع على التحاور وحل النزاعات بشكل بنّاء. يعتبر التفاعل الواضح من قبل الإدارة المدرسية والتعاون الفعّال مع الأهل أيضًا من السبل الفعّالة للتصدي للعنف اللفظي في المدارس.

الإجراءات التي تتخذها وزارة التربية للحد من العنف المدرسي

  • إعداد استراتيجية قطاعية مندمجة لوقاية الأطفال المتمدرسين من العنف، مرتكزة على المرجعيات البيداغوجية والتربوية والقانونية.
  • توفير بنيات وآليات للحد والوقاية من العنف بالوسط المدرسي، مثل توفير أخصائيين نفسيين واجتماعيين في كل مدرسة.
  • وضع قوانين تضبط العملية التعليمية، وتجريم كل معلم يستخدم أي نوع من أنواع العنف ووضع عقاب قاسي لكل من يمارس التحرش الجنسي.
  • توعية الطلاب وتنبيههم إلى ضرورة الالتزام بآداب الحديث مع بعضهم، والامتناع عن الأحاديث غير اللائقة، ومناقشة أفكار الطلاب وتحفيزهم على اكتساب السلوكيات الحسنة وممارستها.
  • التواصل المفتوح بين الطلاب ومعلمهم، من خلال بناء الثقة المتبادلة بينهم، وتشجيعهم على التحدث عن العنف بشكلٍ مناسب، والاستماع الجيد لأسئلتهم ومناقشتهم حول مخاوفهم تجاه العنف المدرسي.

دور وزارة التربية في مكافحة العنف المدرسي

  • برنامج المدرسة صديقة للطفل: برنامج يهدف إلى تحسين جودة التعليم والتعلم، وتعزيز مشاركة الطلاب / التلاميذ والأهل والمجتمع في العملية التربوية، وتوفير بيئة مدرسية صحية ونظيفة ومريحة ومحترمة لحقوق الطفل.
  • سياسة الحد من العنف: سياسة تهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية، وتنمية مهارات الحياة والتواصل والتعاون والتسامح والسلام، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لضحايا العنف والتنمر، وتطبيق العقوبات الرادعة للمعتدين.
  • مؤتمر دولي حول التنمر في المدرسة: مؤتمر نظمته الوزارة بالتعاون مع اليونسكو والأمم المتحدة، وشارك فيه خبراء وباحثون وممثلون عن مختلف القطاعات والمنظمات المعنية بالتعليم والطفولة.

خاتمة

في ختام هذا البحث، نتجلى أمام حقيقة العنف اللفظي في المدارس التونسية كظاهرة معقدة تتأثر بعدة عوامل اجتماعية، نفسية، أسرية، وتربوية... 

في نهاية المطاف، يعتبر تفعيل الوعي وتبني أسلوب تربوي فعّال أمرا حاسما للتصدي للعنف اللفظي في المدارس، فهو ليس فقط تحديًا تربويًا، بل يمثل استثمارا في مستقبل الشباب واستقرار المجتمع.

وبهذا نكون قد أوفينا بالغرض من هذا البحث، وهو تسليط الضوء على ظاهرة العنف اللفظي في المدارس التونسية، وتقديم مساهمة علمية في فهمها ومواجهتها. ونأمل أن يكون هذا البحث مفيداً للباحثين والمهتمين بالموضوع، وأن يفتح آفاقاً جديدة للبحث والتحليل في هذا المجال. وفي النهاية، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا.

علي الزاهد




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-