قصّة النمر والمروّض في اليوم العاشر


النمر في اليوم العاشر

النمر والمروّض

اليوم الأول

رحلتْ الغابات بعيدا عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسيانها، وحدق غاضبا إلى رجال يتحلقون حول قفصهِ وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف، وكأنّ أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمرة: "إذا أردتم حقا أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم الا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنها مهنة صعبة وسهلة في آن واحد.

أنظروا الآن الى هذا النمر. إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير، ويصبح وديعا ولطيفا ومطيعا كطفل صغير، فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا ".

فبادر الرجال الى القول إنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض، فابتسم المروض مبتهجا، ثم خاطب النمر متسائلا بلهجة ساخرة: " كيف حال ضيفنا العزيز؟".

قال النمر؟ " أحضر لي ما آكله فقد حان وقت طعامي ".

فقال المروض بدهشة مصطنعة: " أتأمرني وأنت سجيني؟ يا لك من نمر مضحك! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا إصدار الأوامر “.

قال النمر: " لا أحد يأمر النمور ".

قال المروض: " ولكنك الآن لست نمرا. أنت في الغابات نمرا، أما وقد صرت في القفص فأنت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء ".

قال النمر بنزق: " لن أكون عبدا لأحد ".

قال المروض: "أنت مرغم على إطاعتي لأني أنا الذي أملك الطعام ". قال النمر: " لا أريد طعامك ".

قال المروض: " إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه ". وأضاف مخاطبا تلاميذه: " سترون كيف سيتبدل فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة ". وجاع النمر، وتذكر بأسى أيّام كان ينطلق كريح دون قيود مطاردا فرائسه.

اليوم الثاني

أحاط المروّض وتلاميذه بقفص النمر.

قال المروض : " ألست جائعا ؟ أنت بالتاكيد جائع جوعا يعذب ويؤلم . قل إنك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم " .

ظل النمر ساكتا , فقال المروض له : " إفعل ما أقول ولا تكن أحمق . إعترف بأنك جائع فتشبع فورا ".

قال النمر : " أنا جائع ".

فضحك المروض وقال لتلاميذه : " ها هو قد سقط في فخ لن ينجو منه ". وأصدر أوامره , فظفر النمر بلحم كثير.


اليوم الثالث

قال المروض للنمر : " إذا أردت اليوم أن تنال طعاما , نفذ ما سأطلب منك ".

قال النمر : " لن أطيعك ".

قال المروض : " لا تكن مسرعا فطلبي بسيط جدا. أنت الآن تتحرك في قفصك , وحين أقول لك : قف , فعليك أن تقف ".

قال النمر لنفسه :"إنه فعلا طلب تافه ولا يستحقّ عن أكون عنيدا وأجوع ".

وصاح المروض بلهجة قاسية آمرة : " قف ". فتجمّد النمر توّا , وقال المروض بصوت مرح : " أحسنت ".

فسرّ النمر , وأكل بنهم بينما كان المروض يقول لتلاميذه " سيصبح بعد أيّام نمرا من ورق ".

اليوم الرابع

قال النمر للمروض : " أنا جائع فاطلب مني أن أقف ".

فقال المروض لتلاميذه : " ها هو قد بدأ يحبّ أوامري "

ثمّ تابع موجها كلامه إلى النمر: "لن تأكل اليوم إلا اذا قلدت مواء القطط ". فكظم النمر غيظه , وقال لنفسه : " سأتسلى إذا قلدت مواء القطط " .

وقلد مواء القطط فعبس المروض , وقال باستنكار : " تقليدك فاشل . هل تعدّ الزمجرة مواء ". فقلد النمر ثانية مواء القطط , ولكن المروض ظلّ متجهّم الوجه ,

وقال بازدراء : " أسكت اسكت . تقليدك ما زال فاشلا . سأتركك اليوم تتدرّب على مواء القطط , وغدا سأمتحنك فإذا نجحت فأكلت , أما إذا لم تنجح فلن تأكل ".

وابتعد النمر عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئة , وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين. ونادى النمر الغابات بضراعة، ولكنها كانت نائية.

اليوم الخامس

وفي اليوم الخامس ،قال المروض للنمر:"هيا ,إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج ". قّلد النمر مواء القطط , فصفّق المروض , وقال بغيظة : "عظيم أنت .. تموء كقطّ في شبّاط ". ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم .

اليوم السادس

ما أن اقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط. ولكن المروض ظلّ واجما مقطب الحاجبين،

فقال النمر: " ها أنا قد قلدت مواء القطط ". قال المروض: قلّد نهيق الحمار ".

قال النمر باستياء: " أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات، أقلد الحمار؟ سأموت ولن انفذ طلبك ". فابتعد المروض عن قفص النمر دون أن يتفوّه بكلمة .

اليوم السابع

أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعا وقال للنمر : " ألا تريد أن تأكل ؟ ".

قال النمر: " أريد أن أكل ".

قال المروض " اللحم الذي ستأكله له ثمن، انهق كالحمار تحصل على الطعام ".

فحاول النمر أن يتذكّر الغابات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فقال المروض: " نهيقك ليس ناجحا، ولكنني سأعطيك قطعة من اللحم إشفاقا عليك ".

اليوم الثامن

قال المروض للنمر:" سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفّق إعجابا ".

قال النمر: " سأصفّق". فابتدأ المروض إلقاء خطبته، فقال: "أيّها المواطنون .. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدّل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالإيمان سننتصر ".

قال النمر: " لم أفهم ما قلت ".

قال المروض: " عليك أن تعجب بكل ما أقول وأن تصفّق إعجابا به ".

قال النمر: "سامحني. أنا جاهل أميّ، وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي". وصفّق النمر.

فقال المروض: " أنا لا أحبّ النفاق والمنافقين، وستحرم من الطعام عقابا لك ".


اليوم التاسع

جاء المروض حاملا حزمة من الحشائش والقى بها للنمر وقال: " كُلْ ".

قال النمر: " ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم ".

قال المروض: " منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش ".

ولمّا اشتد جوع النمر، حاول أن يأكل الحشائش، فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزا، ولكنه عاد اليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويدا رويدا.

اليوم العاشر

اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطنا، والقفص مدينة.

علي الزاهد

مكتبة المعلم والاستاذ الالكترونية
مكتبة المعلم والاستاذ الالكترونية