لهذه الأسباب نتائج مناظرة السيزيام أظهرت ضعفا فادحا في مكتسبات التلميذ

نظرة تحليلية في منظومة التقييم التعليمي بتونس: تحديات وآفاق الإصلاح

نظرة تحليلية في منظومة التقييم التعليمي بتونس: تحديات وآفاق الإصلاح



تهانينا القلبية موصولة للأسرة التربوية على النجاح المستحق لعدد من التلاميذ في مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية. وفي المقابل، لا يمكن تجاهل القلق المشروع الذي يساور أولياء الأمور حيال النتائج العامة، حيث لم يحقق سوى 34% من التلاميذ معدلاً يساوي أو يفوق 10 من 20، بينما أخفق 66% منهم في ذلك.

إشكالية التقييم: بين المعايير اليومية والامتحانات الوطنية

يطرح هذا التباين سؤالاً جوهرياً حول كيفية تقييم جودة المدرسة التونسية. هل يجب أن نعتمد على التقييمات اليومية للمعلمين، التي غالباً ما تمنح التلاميذ معدلات مرتفعة (15 أو 16)؟ أم أن المعيار الحقيقي يكمن في ما تكشفه الامتحانات الوطنية والدولية؟ إن الدعوة موجهة لصناع القرار للاستفادة من التجربة الألمانية في عام 2003، حين أدت تراجعها في تصنيف "بيزا" إلى تشكيل خلية أزمة في وزارة التربية، والتي بدورها حددت معايير وطنية واضحة للأداء التعليمي، لا تقتصر على المعايير الدولية فحسب. هذا يقودنا إلى التساؤل: هل تعمل المدرسة التونسية حالياً وفق معايير تقييم واضحة ومضبوطة؟

إن جعل المناظرات إطاراً مرجعياً للتعليم والتقييم، والاعتماد على معايير دقيقة في صياغة الامتحانات، سيسهم في تجنب الصدمات المتكررة التي نشهدها سنوياً. المسألة هنا تتعلق برسم سياسات تربوية واضحة وصياغة خطاب تربوي يحدد معايير النجاعة والمردودية على المستوى الوطني. إن التباين الصارخ بين حصول التلميذ على 20/20 في الرياضيات طوال العام الدراسي ثم حصوله على صفر أو واحد في المناظرة يكشف عن خلل هيكلي عميق في نظام التقييم المدرسي.

وبصفتي خبيراً، أؤكد أن امتحانات هذه السنة قد صيغت وفق معايير دولية، ولم تكن معقدة، بل ركزت على مهارات التفكير والربط البيني، وابتعدت عن نمط التعلم المجزأ. بالتالي، كانت معايير التقييم سليمة إلى حد بعيد، مما يجعل هذه المناظرة بمثابة لحظة وعي بزيف المنظومة التقييمية داخل المدرسة التونسية. المشكلة الأساسية تكمن في محتوى التعليم وكيفية التقييم، خاصة في ظل غياب خطة وطنية للتقييم، واعتماد كل معلم على اجتهاده الخاص.

الدروس الخصوصية: أسباب وحلول

من الضروري الإقرار بأن العلاقة بين الأولياء والمدرسة قد تحولت إلى علاقة استهلاكية، وأن الدروس الخصوصية، التي غالباً ما تتعرض للنقد، يساهم فيها بعض المعلمين تلبيةً لطلب الأولياء. يمكن تلخيص الأسباب العلمية للتوجه نحو الدروس الخصوصية في أربع فرضيات رئيسية:

  • كثافة البرامج الرسمية: برغم أن البرامج الرسمية ليست بالضرورة طويلة، إلا أن الدراسات تشير إلى معاناتها من الحشو، بينما يجب أن تركز على الكفايات الأساسية.
  • الفقر التعلمي والتأخر المدرسي: عوامل تؤثر على استيعاب التلاميذ.
  • ضعف استيعاب التلميذ في الزمن النظامي: عدم كفاية الوقت المخصص للدرس في إطار المنهاج الرسمي.
  • سعي بعض التلاميذ إلى التميز: في ظل محدودية ما تقدمه المدرسة.

وهنا يبرز تساؤل مهم حول قدرة المعلمين على تحويل المضامين إلى وضعيات تعليمية ذات معنى. هل توفر المنظومة التكوينية، الأساسية والمستمرة، الأدوات الضرورية لذلك؟

نحو إصلاح تربوي شامل: ضرورة "العقد النفسي" الجديد

لا يمكننا الحديث في تونس عن "منظومة" تربوية متكاملة، فالعناصر لا تعمل في انسجام، ويبدو أن كل فرع داخل وزارة التربية يعمل بشكل منفصل، مع غياب معايير واضحة لتقييم المعلمين. وعلى سبيل المثال، تخصيص خمس ساعات للرياضيات في السنة السادسة قد لا يكون قليلاً مقارنة بدول أخرى، لكن المردودية تختلف بشكل لافت.

لقد كانت المدرسة العمومية في وقت ما أداة للترقي الاجتماعي، خاصة بعد إصلاح سنة 1958. أما اليوم، فقد أصبحت بنية تحتية مهترئة، ومحتوى تربوياً لا يتماشى مع الواقع أو تطلعات المجتمع. نحن اليوم في أمس الحاجة إلى "عقد نفسي" جديد بين الدولة والمواطن في المجال التربوي، ينطلق من واقع صعوبات التعلم، ويتطلب تدخلات بيداغوجية ونفسية دقيقة، بعيداً عن مجرد شعارات التنمية البشرية الجوفاء.

يجب أن يتجاوز دور المدرس التدريس التقليدي ليشمل التحليل النفسي وفهم السلوكيات، وهنا يكمن دور وزارة التربية في دعم التكوين المهني للمعلمين. لقد تحدثنا لسنوات عن الإصلاح، وتوالت أسماء الوزراء، وقدم كل منهم رؤيته، لكن النتائج لم تكن تذكر. ذلك لأن الإصلاح ليس رؤية وزير بل هو مشروع مجتمعي متكامل، يشارك فيه الأطباء والاقتصاديون وعلماء النفس والإعلاميون، ويُبنى على دراسات استشرافية حقيقية.

حتى في الماضي، تم تنظيم منتديات ولقاءات وطنية، وأصدرت وزارة التربية أطراً مرجعية ومقاربات منهجية حديثة، لكن هذه الدراسات والبرامج لم تُفعل أو تُترجم إلى واقع ملموس. ببساطة، نحن نمتلك الدراسات والموارد العلمية، ولكن تنقصنا الإرادة السياسية اللازمة لتحويلها إلى نتائج. وهنا يكمن جوهر المشكلة.

مقتطف من حوار دكتور دولة مراد البهلول يكشف: لهذه الأسباب نتائج مناظرة السيزيام أظهرت ضعفا فادحا في مكتسبات التلميذ باذاعة ديوان FM.

علي الزاهد

مكتبة المعلم والاستاذ الالكترونية
مكتبة المعلم والاستاذ الالكترونية