مقارنة تحليلية بين التقييم التشخيصي والتقييم الجزائي
مقدمة:
يُعد التقييم ركيزة أساسية في العملية التعليمية، حيث يسهم في قياس مدى تحقق الأهداف التربوية وتحسين أداء المتعلمين. وفي هذا الإطار، تبرز نوعان رئيسيان من التقييم: التقييم التشخيصي والتقييم الجزائي أو الاشهادي. تهدف هذه المقالة إلى تقديم مقارنة تحليلية بين هذين النوعين، مع استعراض أبرز خصائص كل منهما، وذلك انطلاقًا من رؤية تربوية تعزز دور التقييم في تطوير التعلم.
أولاً: التقييم التشخيصي (التقويمي)
يُعتبر التقييم التشخيصي جزءًا لا يتجزأ من عملية التعلم، حيث يهدف إلى تحسين الأداء التعليمي من خلال مراقبة تقدم المتعلم وتقديم تغذية راجعة فورية. ومن أبرز خصائصه:
1. التكامل مع عملية التعلم:
- يُطبق التقييم التشخيصي في ثلاث مراحل: قبل التعلم (من خلال اختبارات القبليّة لتقييم المعرفة السابقة)، وأثناء التعلم (كجزء من الأنشطة التعليمية)، وبعد انتهاء مرحلة تعليمية (لتقييم مدى اكتساب الكفايات المستهدفة).
- يعتمد على وضعيات إدماجية تسمح للمتعلم بتوظيف معارفه ومهاراته وخبراته الشخصية لحل مشكلات معقدة تتناسب مع قدراته الذهنية.
2. شفافية المعايير والمشاركة:
- يُشرك المتعلم في وضع معايير التقييم قبل تنفيذه، مما يعزز الشفافية ويسهم في استبطان أسلوب التقييم.
- تُصاغ المعايير باستخدام مصطلحات مثل "الدقة"، "الوجاهة"، "الطرافة"، أو من خلال أسئلة محددة تُبرز قيمة المنتوج أو الأداء.
3. التشخيص والعلاج:
- لا يقتصر دور التقييم التشخيصي على رصد الأخطاء، بل يتعداه إلى فهم منطقها وتشخيص الصعوبات التي يواجهها المتعلم.
- يُصاحب التشخيص استراتيجيات علاجية تهدف إلى تعديل التصورات الخاطئة وتجاوز العقبات التي تراكمت لدى المتعلم.
4. تركيز على العمليات الذهنية:
- لا يهتم التقييم التشخيصي بالنتيجة فحسب، بل يركز على العمليات الذهنية والحسحركية التي يستخدمها المتعلم للوصول إلى النتائج، مما يسهم في تطوير مهارات التفكير والتخطيط.
ثانيًا: التقييم الجزائي أو الاشهادي
يُعد التقييم الجزائي تقييمًا ختاميًا يهدف إلى معاينة أداء المتعلم في نهاية فترة دراسية، وغالبًا ما يرتبط بمنح شهادات أو تقديرات. ومن أبرز خصائصه:
1. معاينة الأداء دون علاج:
- يقتصر دور هذا النوع على رصد مستوى المتعلم (ضعيف، متوسط، متميز) دون تقديم حلول للتغلب على الصعوبات.
2. المعايير الخارجية:
- يُقيم المتعلم مقارنة بأقرانه، مع الاعتماد على معايير خارجية تُحدد رتبته في قوائم التصنيف.
3. الاهتمام بالنتيجة دون العمليات:
- يركز التقييم الجزائي على النتائج النهائية دون الاهتمام بالعمليات الذهنية أو الاستراتيجيات التي اتبعها المتعلم للوصول إليها.
4. اعتماد على المعرفة السطحية:
- غالبًا ما يقيس هذا النوع كمّ المعارف التي يحفظها المتعلم، وهي معارف غير مفاهيمية وغير قابلة للتطبيق، مما يجعلها عرضة للنسيان مع مرور الزمن.
5. غياب الشفافية والتنبؤات:
- لا يُطلع المتعلم على معايير التقييم بشكل مسبق، وغالبًا ما يُستخدم الحكم المسبق والتنبؤات (كالقول إن تلميذًا "غير قادر على النجاح")، مما يُضعف دافعيته للتعلم.
خاتمة:
تُظهر المقارنة بين التقييم التشخيصي والتقييم الجزائي أن لكل منهما دورًا في العملية التعليمية، إلا أن التقييم التشخيصي يُعد أكثر شمولية وقدرة على تحسين التعلم، كونه يركز على تطوير الأداء وتشخيص الصعوبات. في المقابل، يبقى التقييم الجزائي ضروريًا في بعض السياقات التي تتطلب إصدار أحكام ختامية. لذا، فإن الجمع بين النوعين بشكل متوازن قد يكون الأنسب لتحقيق أهداف التعليم بشكل فعال.
