المقاربة بالكفايات مفهومها

ما هي المقاربة بالكفايات؟

أولا: التعريف بأسس المقاربة بالكفايات

تستند المقاربة بالكفايات إلى عدة مرجعيات لعل أهمها المرجعية البنائية، ومن أسسها أعمال فيقوتسكي وبياجي وغيرهما كثير. وميزة هذه المقاربة أنها اهتماما خاصا بطبيعة المعرفة ودور المتعلم فى بنائها، وتعنى اعتناء شديدا بالمسارات الفكرية والوجدانية والاجتماعية الملازمة لاكتساب المعارف الجديدة وما تقتضيه هذه المعارف من معالجة واسترجاع متواصل وما تستدعيه من مستمرة للمكتسبات السابقة.

فالبنائية تمنح دورا أساسيا للمتعلم في مسار تملك المعارف وتدعو إلى الأخذ بعين الاعتبار منطق التعلمات الذي لا يمكن اختزاله في منطق المعارف. إن عملية التعلم تستوجب تدخل نشاط المتعلم المعرفي ، فيكون التعلم إذاك نتيجة لبناء داخلي يقوم به المتعلم. أما دور المدرس في هذه العملية فهو دور الوسيط المساعد أكثر من دور المؤتمن على المعارف. ليس التعلم في منطق البنائية مسارا تراكميا يحصل بالإضافات المتتالية التي يقدمها المعلم ، وإنما هو هيكلة متجددة للمعارف السابقة ، تتخللها انقطاعات وتشوبها عوائق لا يمكن التغلب عليها إلا إذا توقر متسع من الوقت للمتعلم وللمعلم على حد السواء. فالمتعلم حسب هذا المنظور مدعو إلى القيام بنشاطين مهمين أولهما نشاط إدماجى يتمثل فى استيعاب المضامين التى نعلمها إياه ، وثانيهما ملاءمة هذه المضامس مع ما لديه من تمثلات ومعارف سابقة. قد تستعصى عليه هذه العملية بسبب الهوة التى تفصل بين المعارف المكتسبة وما نريد أن نعلمه إياه ، فتبرز فى هذا الصدد فضيلة التقييم التكويني ، إذ هو الذي يساعد على تجاوز هذه العوائق برصد الأخطاء وتحليل دلالاتها واستنباط سبل العلاج.

وللمقاربة بالكفايات جملة من المفاهيم والمرجعيات تسمح بإعادة النظر في طبيعة العلاقات بين عناصر عملية التعليم والتعلم من ذلك أنها تضع المعارف فى خدمة الكفايات وتؤسس لممارسات بيداغوجية جديدة تختلف عن النموذج التعليمى التلقيني والتراكمي، وترسي قواعد نموذج تعليمي يضع المتعلم في قلب العملية التربوية وتجعل التقييم في خدمة التعلم، أما المدرس فيسند له دور الو سيط المساعد.

إن السبيل إلى تحقيق هذا التصور التعليمي هو بناء البرامج الجديدة على أساس مفهوم الكفايات، هذا المفهوم الذي نشأ تاريخيا في ظل التطور الذي شهدته تنظيمات العمل والإنتاج، والتي قادت إلى تجديد صيغ التكوين المهني قبل أن يستنبط منه القائمون على شؤون التعليم العام مناهج وطرائق ومعايير مستحدثة.

ولما كانت مقاصد التعلم مؤازرة المتعلم لبناء الكفايات الخاصة به، صار متأكدا تنزيل المعارف منزلة الموارد يتوسل بها إلى هذه الكفايات. لذلك لم يعد لنا مبرر في تعليم المعارف من دون التفكير في الغاية أو المنفعة المرتجاة من ورائها، إذ تكتسب المعارف دلالتها وجوبا باستعمالها عند الحاجة استعمالا ومن عدم الفصل بين لحظة اكتسابها ولحظة تطبيقها. إن المعارف من ناجعا خلال هذا المنظور تضحي موارد يلجأ إليها لتخطي صعوبة أو فهم وضعية أو حل مشكلة، والمتعلم لا ينخرط حقا في تعلم ما إن هو لم يدرك الفائدة منه. لذلك يجب عقد صلة متينة بين المعارف وسياق توظيفها في المدرسة وفي الحياة العامة وعدم عزل هذا عن ذاك والوعي بشروط تحقيقهما معا.

والكفاية تحديدا هى قدرة على الاستخدام الناجع لمجموعة مندمجة من المعارف والمهارات والسلوكات لمواجهة وضعية جديدة أو غير مالوفة وللتكيف معها، ولحل المشكلات وإنجاز مشروع. غير أن الكفايات تختلف باختلاف مدى اتساعها، فبعضها ينطبق على مجال محدود من الوضعيات لارتباطها بحقل مخصوص من حقول المعرفة، في حين يتسع بعضها الآخر لعديد الوضعيات ويرتبط بأكثر من حقل واحد من حقول المعرفة.

ثانيا: دور المدرس في بناء التعلمات وتحقيق الكفايات.

يتضمن العقد التربوي أن يقوم المدرس بأدوار محددة - التالية ذكرها - تنخفض نشاطه مع تقدم الوقت:

1- الوساطة :

المدرس وسيط بين المتعلم والمعرفة، فهو الذي يتولى توفير المناخ الملائم للتعلم وتيسير ظروفه وإيجاد الحلول المتصلة بالنقل البيداغوجي وفق الكفايات المحددة وتنزيلها في وضعيات دالة.

2- التنشيط :

المدرس منشط :

أ - يتولى تنويع أنماط التعلم وأساليبه بما يحفز المتعلمين ويرغبهم

ب - يقوم فى الفصل بدور التعديل والثوازن مما يضمن حسن التعامل مع الصراعات العرفانية وتأطير المتدخلين بما يمكنهم من الإدراك السليم لدورهم في المجموعة ولأدوار بقية عناصرها في مناخ من الارتياح والانشراج.

3- التقييم والتشخيص :

المدرس مُقيّم، يعني ذلك أنه قادر على بناء أدوات تقييم صالحة ووجيهة وعلى تشخيص خصائص التعلم تشخيصا سليما.

4- التعديل والدعم والعلاج:

يضطلع المدرس بمهمة اتخاذ قرارات التعلم الصائبة في ضوء التقييم قصد وضع طرائق ووسائل عمل جديدة لتوفير فرص تخطى العقبات بالنسبة الى المتعثرين أو بلوغ مراتب عليا من التميز والإبداع بالنسبة إلى المتفوقين.

5- التثمين والتشجيع:

لا يخلو التعلم من بعد نفسي وجدانى لا بد من أخذه بالاعتبار وذلك بتثمين الجهد وتعويد المتعلم على تقدير أدائه الشخصي تقديرا إيجابيا.

ثالثا: دور المتعلم في بناء التعلمات وتملك الكفايات :

لا تكمن قيمة النشاط المعرفي الذي يمارسه التلاميذ في مساعدتهم على تمثل المعارف المدرسية المختلفة، وإنما تكمن قيمته في بناء تجربتهم في الحياة وبناء ذواتهم وإقامة علاقات مع غيرهم من الناس، وما المدرسة فى هذا السياق إلا مجموعة من المظاهر المخصوصة والمؤقتة التي تسهم في عملية بناء التجربة العامة.

يسعى التلميذ باستمرار إلى بناء العالم من حوله ليندمج فيه ويأخذ مكانًا فيه، ولذلك، فعلاقته بالمعرفة ليست علاقة علمية مقتصرة على التعلم النظري، بل هي علاقة عملية تستفيد منها وتدمجها في جهوده العامة للتكيف وبناء العالم. من خلال هذه النظرة للمعرفة، يمكن تجاوز العديد من المشاكل التربوية والصعوبات التعليمية مثل قلة الدافع والتطور الذهني، حيث لم يعد هناك تلميذ لا يمكنه التعلم أو تحقيق النجاح.

يشيد التلميذ بمعرفته في وسط تكييفه لها وتكامله معها. المعرفة لا تضيف له معنى أو قيمة إلا إذا ساهمت في حل تحدياته أو دعمته في تنفيذ مشروعه الخاص. وبالتالي، يمكن تعريف المعرفة بمفهوم البناء سواء كان هذا البناء فرديًا أو جماعيًا. فالشخص لن يهتم بالمعرفة إلا إذا رأى أنها تؤهله لحل المشكلات. من خلال جهوده الشخصية واستثماره للموارد المتاحة، يستطيع المتعلم أن يبتكر ويخلق ويتصور. وهكذا، يتضاءل الفارق بين ما يعرفه المتعلم وما لا يعرفه، وتصبح حياته في المدرسة مشروعًا مفتوحًا لبناء معرفة جديدة على أساس الاكتشاف الذاتي.

وتبعا لهذا التصور البنائي لعملية التعلم فإن المتعلم يعتبر الطرف الرئيسي فى بناء تعلماته الأمر الذي يعني أن التعليم لن يؤخذ على أنه مجرد نقل للمعارف من المدرسين إلى المتعلمين وإنما يؤخذ على أنه انخراط كامل من كل متعلم في تمش تعليمي هو أبرز مصطنعيه وأن يقصر دور المدرس فيه على التشجيع والتحفيز والمرافقة والتوجيه والمساعدة وخلق المناخ التربوي الملائم لبناء التعلمات وتطويرها. فإلى المدرس من هذه الجهة تعود مسؤولية متابعة طريقة بناء المعارف وتصور التدخلات البيداغوجية الناجعة التى تسهم في جعل المتعلم مسؤو لا عن تعلماته وتساعده على نقل تعلماته إلى الحياة اليومية.

وأساس التعلم في هذا التوجه التربوي انبناؤه على فكرة المشروع سواء كان ذلك فى فضاءات المدرسة أو خارجها، فالتعلمات وفق هذا المنظور تمنح المتعلم دورا نشيطا وحيويا يساعده على المشاركة الفعالة فى بناء المعرفة وتنمية مهاراته وتحقيق التواصل الاجتماعي مع بقية أطراف الفصل كما تتيح له هذه المقاربة إطارا متعدد الاختصاصات يسهل لديه إدماج عدة أنشطة " أفقه وتغتني تجربته.

رابعا: دور الولي في العملية التربوية

يعد الأولياء من شركاء المدرسة لأن لهم علاقة خاصة بأبنائهم و. يمارسون عليهم تأثيرا نافذا في كثير من الأحيان، لذلك يعتبرون الجسر الناقل لمختلف المكونات التاريخية والثقافية المتصلة بالوسط العائلي، فبهذا الزاد المعنوي والثقافي والأخلاقي يمكن للأولياء أن يساعدوا أبناءهم على إنجاز مشاريعهم وأن يراقبوا مسيراتهم التعليمية في كنف التعاون والانسجام مع المدرسة. وليس المطلوب إلى الأولياء أن يتصرفوا مع أبنائهم تصرف المختص في باب من أبواب المعرفة العلمية أو التربوية وإنما المطلوب إليهم مرافقة أبنائهم في أعمالهم وتشجيعهم على إنجازها وتذليل بعض الصعوبات التي قد تعترضهم وتوفير الإمكانات التى يحتاجون إليها فى هذه الأعمال.

في النظام التربوي الجديد، يعدّ الولي شريكًا متميزًا وليس جانبًا مستقلاً، حيث يدخل في علاقة تعاون جديدة مع المدرس والمدرسة. تطلب مكانته في الوسط التعليمي او التربوي التعبير عن روح التعاون والمشاركة في العملية التربوية من خلال المساهمة الإيجابية في مختلف نواحي الحياة المدرسية، بالإضافة إلى متابعة النشاطات بانتظام وتقدير الجهود المبذولة وتقدير النتائج، ودعم حل المشاكل والتحديات. يهتم الوالد بنجاح الطالب بنفس القدر الذي تهتم به المدرسة.

ويجدر التأكيد هنا على أن مجلس المؤسسة الذي سنه القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي يعتبر الإطار التشريعي المجسد لدور الولي في إنجاح العملية الثربوية.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-