المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفاءات

التدريس بين المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفاءات

رحلة تطور البيداغوجيا

تدريس المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفاءات

مقدمة

شَغَلَ السعي لتحقيق تعليم فعّال حيزًا كبيرًا من اهتمام التربويين، وكانت المقاربة الأكثر نجاعة في تحقيق أهداف المدرسة محطّ نقاش دائم. يُقدّم هذا المقال رحلةً تربوية بين مقاربتين رائدتين: المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفاءات، مستندًا إلى وثيقة علمية متخصصة، ساعيةً لتسليط الضوء على فلسفة كل منهما، وأدواتهما، وكيفية الانتقال من تعليم يركز على "ما سيفعل التلميذ" إلى تعليم يركز على "ما يستطيع التلميذ أن يكونه".

القسم الأول: المقاربة بالأهداف – الدقة والسلوك القابل للملاحظة

كانت المقاربة بالأهداف حجر الزاوية في التخطيط التعليمي لفترة طويلة، مؤسسةً على تحديد نواتج التعلم المرجوة مسبقًا بصورة دقيقة وقابلة للقياس.

  • الهدف التربوي: هو التغيير المراد إحداثه في سلوك المتعلم بعد مروره بخبرة تعليمية.
  • تصنيف الأهداف (مجالات بلوم):
    • المجال المعرفي: يهتم بتنمية العمليات العقلية (التذكر، الفهم، التطبيق، التحليل، التركيب، التقويم).
    • المجال النفسي الحركي: يهتم بالمهارات الحركية والجسمية (من الإدراك الحسي إلى الإبداع).
    • المجال الوجداني: يهتم بالمشاعر والاتجاهات والقيم (من الاستقبال إلى تشكل الذات).
  • صياغة الهدف الإجرائي: يجب أن تكون الصياغة واضحة وغير قابلة للتأويل، وتحدد:
    1. الأداء: الفعل السلوكي الملاحظ (يذكر، يحلل، يفرق).
    2. الظروف: السياق الذي سيؤدى فيه السلوك.
    3. المعيار: مستوى الأداء المقبول (نسبة الدقة، الزمن، الجودة).
خلاصة القسم: المقاربة بالأهداف تُعد دليلًا إجرائيًا دقيقًا للمعلم والمتعلم، لكن إفراطها في التجزئة والتركيز على السلوك الظاهر فقط، قاد إلى البحث عن نموذج أكثر شمولية.

القسم الثاني: المقاربة بالكفاءات – التكامل والتوظيف في سياق الحياة

ظهرت المقاربة بالكفاءات كتطوّر طبيعي لمعالجة قصور المقاربة بالأهداف، من خلال التركيز على قدرة المتعلم على توظيف موارده (معارف، مهارات، قيم) بشكل مندمج لحل مشكلات في سياقات حقيقية.

  • تعريف الكفاءة: هي القدرة على تعبئة وتنشيط مجموعة من الموارد الداخلية (المعرفية، المهنية، الوجدانية) بشكل مندمج، لحل وضعية-مشكلة في سياق معين.
  • مكونات الكفاءة:
    • معارف (حقائق، مفاهيم، نظريات).
    • مهارات (قدرات عقلية وحس حركية).
    • اتجاهات وقيم (سلوكيات وجدانية).
  • خصائص الكفاءة: التحديد، القابلية للتقويم، إمكانية التحويل والتطبيق في سياقات جديدة.
  • الوضعية-المشكلة: هي القلب النابض لهذه المقاربة، وهي نشاط تعليمي محير يضع المتعلم أمام عائق حقيقي، يحفزه على البحث والتساؤل وتوظيف مكتسباته للوصول إلى حل.
  • استراتيجيات التعلم: تعتمد على حل المشكلات والمشاريع، مما يشجع على التعلم الذاتي والعمل الجماعي والتفكير النقدي.
خلاصة القسم: المقاربة بالكفاءات تنتقل بالتعلم من "تكديس المعرفة" إلى "بناء القدرة على الفعل"، معتبرة أن امتلاك المعرفة ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة للتكيف والإبداع في الحياة.

القسم الثالث: تقويم الكفاءة – من قياس الأداء إلى تقويم الفعل

يختلف التقويم في ظل المقاربة بالكفاءات جوهريًا، حيث يصبح وسيلة لتحسين التعلم وليس فقط قياس نهايته.

  • طبيعة التقويم: يرتبط بمراحل العملية التعليمية:
    • تقويم تشخيصي: لتحديد مستوى الانطلاق.
    • تقويم تكويني: مرافقة للتعلم لتعديل المسار.
    • تقويم ختامي (إجمالي): الحكم على مدى تحقيق الكفاءة.
  • أدوات التقويم: تتنوع لتشمل:
    • حل المشكلات
    • إنجاز المشاريع
    • الملاحظة المنظمة
    • الاختبارات التحريرية المبتكرة

يُصبح التقويم هنا عملية مستمرة تهدف إلى تزويد المتعلم بتغذية راجعة دائمة حول تقدمه.

الخلاصة والانتقال: من التكامل إلى التطوير

لا تعني المقاربة بالكفاءات إلغاء تامًا للمقاربة بالأهداف، بل هي امتداد وتطوير لها. فالأهداف الإجرائية تبقى اللبنات الأساسية التي تبني الكفاءة الشاملة. يمكن النظر إلى العلاقة بينهما على أنها علاقة تكميلية وليست قطيعة؛ حيث توفر المقاربة بالأهداف الدقة والوضوح، بينما تمنح المقاربة بالكفاءات المعنى والسياق والوظيفة.

الانتقال الناجح إلى نموذج الكفاءات يتطلب:

  • تكوينًا فعّالًا للمعلمين يغير أدوارهم من ملقن إلى منظم وموجه ومسهل للتعلم.
  • تصميم مناهج مرنة قائمة على الوضعيات-المشكلة.
  • تبني ثقافة تقويمية تركز على النمو والتقدم بدلاً من التصنيف والجزاء.

في النهاية، يمثل هذا التطور رحلة تربوية مستمرة، تهدف إلى تخريج متعلمين ليسوا فقط حاملين للمعارف، بل قادرين على توظيفها بفعالية وإبداع، لمواجهة تحديات الحياة المتغيرة، والمساهمة في بناء مجتمع المعرفة.

علي الزاهد
مكتبتي العلمية
مكتبتي العلمية